تهديد مباشر للفقراء.. المساعدة الإنمائية تواجه أزمة بعد تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية

تهديد مباشر للفقراء.. المساعدة الإنمائية تواجه أزمة بعد تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية

أشعل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) شرارة أزمة جديدة في قطاع المساعدات الدولية، بعدما كانت الوكالة تشكل لسنوات طويلة العمود الفقري للتمويل الإنمائي حول العالم. 

ومع توقف نشاطاتها، تواجه المنظمات الدولية فجوة مالية ضخمة تهدد آلاف المشاريع في الدول الفقيرة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، السبت.

وأكدت الخبيرة في شؤون التنمية ميكايلا غافاس من المركز الأمريكي للتنمية الدولية، أن الخطوة "تترك فراغًا هائلًا"، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة كانت "بفارق كبير أكبر مصدر للمساعدة الإنمائية في العالم". 

ووفق مركز الكونغرس للأبحاث، بلغت ميزانية الوكالة عام 2024 أكثر من 35 مليار دولار، وهي إسهامات كانت تمثل العمود الأساسي للتمويل الإنساني في العالم النامي.

ضغوط على المساعدات الدولية

أكدت المصادر ذاتها أن البيت الأبيض ألغى معظم مشاريع الوكالة بعد قرار وقف عملها، ما وضع برامج التعليم والصحة والبنى التحتية في عشرات الدول أمام خطر التوقف التام. وتساءلت غافاس: "هل ستكون الهيئات الأخرى قادرة على سد هذا الفراغ؟ قطعًا لا".

وأوضحت إليونور كاروا، الوزيرة المنتدبة الفرنسية لشؤون الفرنكوفونية والشراكات الدولية، خلال مؤتمر صحفي عُقد في واشنطن على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن "الموارد شحيحة والدول المانحة مطالبة بإعادة تصميم الهيكل المالي الكامل للمساعدات الدولية".

وكشفت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن التمويل المخصص للمساعدات الدولية تراجع بنسبة 7.1% عام 2024 ليصل إلى نحو 212 مليار دولار، في أول انخفاض منذ ست سنوات. ومن المتوقع أن يستمر هذا التراجع في العام المقبل.

وأشارت الخبيرة الاقتصادية ديانا باروكلو من وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أن هذه الاقتطاعات "فادحة للغاية، خصوصًا بالنسبة للدول متدنية الدخل التي تعتمد على المساعدات لتغطية ميزانياتها في مجالي الصحة والتعليم".

تداعيات إنسانية خطيرة

أكد مدير وكالة التنمية الفرنسية ريمي ريو أن الوكالة خسرت نصف مواردها المالية خلال عام 2025 نتيجة سياسات التقشف، ما يهدد قدرة المؤسسة على تنفيذ برامجها. وعبّر عن مخاوفه من "تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية والإنمائية في دول الجنوب".

كما حذرت دراسة دولية نُشرت في يوليو 2025 من أن انهيار التمويل الأمريكي قد يؤدي إلى أكثر من 14 مليون وفاة إضافية بحلول عام 2030، معظمها في صفوف الأطفال والنساء، بسبب تراجع تمويل برامج التطعيم والرعاية الصحية والغذاء.

وقالت كالبانا كوشار، مديرة سياسات التنمية في معهد بيل وميليندا غيتس، خلال فعالية في واشنطن، إن "الكارثة لا تُقاس فقط بعدد المشاريع المتوقفة، بل أيضًا بتوقف أنظمة البيانات التي كانت ترصد نتائج المساعدات"، مؤكدة أن الأنباء من الميدان "تحمل على الإحباط".

توجه نحو التمويل الخاص

دعت الوزيرة الفرنسية إليونور كاروا إلى تعبئة القطاع الخاص لتعويض غياب التمويل الأمريكي، مشيرة إلى أن دول مجموعة السبع أطلقت مبادرة جديدة لتشجيع الاستثمارات الخاصة في البنى التحتية بالدول النامية، في محاولة لسد فجوة تُقدّر قيمتها بـ 4.2 تريليون دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لليابان أو الهند.

لكن غافاس شددت على أن الولايات المتحدة "تواجه صعوبة حقيقية في تعبئة هذا النوع من التمويل"، معتبرة أن المرحلة المقبلة "ستشهد تحولاً من المساعدات العامة إلى الاستثمارات التجارية الموجهة لخدمة المصالح الوطنية".

ورأت رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أوديل رونو باسو في حديثها لوكالة فرانس برس أن المرحلة الراهنة تتطلب "تعاونًا أكبر بين المصارف المتعددة الأطراف"، مؤكدة أن "فعالية المساعدات الدولية لن تتحقق إلا عبر تنسيق الجهود بين المؤسسات الكبرى الممولة".

بهذا، يدخل العالم مرحلة جديدة في مسار العمل الإنمائي، حيث تتراجع المساعدات التقليدية أمام تصاعد نفوذ الاستثمارات الخاصة، في حين تظل الفئات الأكثر هشاشة في انتظار حلول حقيقية تملأ الفراغ الذي تركه غياب التمويل الأمريكي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية